Introduction المقدمة
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.وبعد،
فإن توثيق اللهجات ضرورة وطنيّة وخطوة مهمّة، إذ تعزّز التراث والتقاليد الموروثة للبلد. وتعدّ اللهجة حدودًا جغرافيّة دوليّة شفهيّة في وقت لم تكن ثمّة حدود دولية مرسومة؛ إذ يستطيع المرء أن يعرف المتكلّم معه إلى أي البلاد ينتسب لمجرّد سماع كلامه في ضوء التنوّع اللغويّ ولاسيّما الصوّتي. وللهجة الكويتيّة تنوّع أدائيّ ضمن منطقة الخليج العربيّ التي تتّفق أقطارها في الصّفات اللغويّة العامّة، وتفترق في الصّفات الخاصّة التي غالبًا ما تكون في الجانب الصّوتيّ، أي في طبيعة الأصوات، وكيفيّة صدورها.
يقول إبراهيم أنيس: «أمّا الأساس الذي يميز بين اللهجات فهو في المرتبة الأولى الجانب الصّوتيّ، أي أنّ اللهجات المختلفة تتّفق في كلّ شيء ما عدا بعض الصّفات الصّوتيّة التي تتّصل بنطق صوت معيّن، أو بوظيفة نطقيّة كالنّبر، والإيقاع، و...». بل إن التّنوّع اللهجيّ قد يشمل البلد الواحد؛ فتختلف فيه لهجة البدو عن لهجة الحضر، ولهجة أهل الشّمال عن لهجة أهل الجنوب، عن لهجة أهل الوسط، وهكذا.
لقد التقيت في المرحوم بإذن الله الدكتور خالد عبدالكريم جمعة في رابطة الأدباء الكويتيين، وفي أثناء لقائي به طلبت رأيه العلميّ في الموسوعة، فقال لي: الجهد المبذول في هذه الموسوعة كبير، حتى إنّه قد يشقّ على فريق من المتخصصين في الصناعة المعجميّة. طاب لي هذا الكلام، ولاسيّما أنّ المرحوم الدكتور خالد عبدالكريم جمعة قد حقّق وصوّب معجم تاج العروس من جواهر القاموس للسيد محمد مرتضى الحسيني الزّبِيدي، طبعة الكويت، 2001
ترددت بادئ الأمر أن أطلب منه مراجعة كتابي، ولكن بعدما أثنى على جهدي تأكدت أن الدكتور خالد ينظر بعين النحلة التي ترى الجميل قبل القبيح، فطرحت عليه فكرة مراجعة الكتاب، ولم يتردد، بل رحب بالمشاركة دون قيــد أو شــرط. وكان هذا شرفاً عظيماً بأن يقترن اسمي باسم أحد كبار أساتذة اللغة العربية في الوطن العربي. وعكف الدكتور خالد على كتابي مدة فخرج بمجموعة ملحوظات دقيقة تغني الكتاب. واتفقنا على جدول زمني لضبط النصوص وتصويبها ومراجعتها بمدة لا تتجاوز ستة أشهر. وقام الدكتور خالد بمراجعة كل مفردة لها أصل في اللغة، وأعاد ضبطها وأضاف أصل الكلمات العربية التي لم أجد لها أصلاً. رحمك الله يا أبا تميم، فقد كنت خير سند لي بعد الله -جلّ وعلا-، ولن أنسى بيت الشعر الذي قلته في سياق وصف حالتي المرهقة آنذاك، لقد قلت: وإذا كانت النفوسُ كِبَاراً تَعِبَت في مُرادها الاجسامُ ورحل إلى مثواه الأخيــــر قبـــل طباعــــة هــــذه الموسوعــــة، ولسان حاله يردّد، «يا كويت، لقد سلّمت الأمانة إلى خالد الرشيد» .
وإنني اليوم لأتابع العمل في الموسوعة على وفق ما تعلّمت منه في ضبط المواد أو الوحدات المعجميّة، فله الرحمة وخير الجزاء. في بداية رحلتي في تأليف المعجمات والقواميس منذ عام 2001 م. ولاسيما «موسوعة اللهجة الكويتية» بطبعاتها الثلاث، مَرَرْتُ في كتب التراث الكويتي اللهجوي، ووجدت أن هناك مجهودًا جادًا في رصد الوحدات المعجميّة وشرحها من الباحثين، كما وجدت اختلافا بينهم في التأصيل والمعاني، وقد دفعني هذا الاختلاف إلى أن أبحث في المعاجم للتوثّق من الأصول اللغويّة للوحدات المعجميّة، أهي عربيّة أم فارسية أم تركيّة أم هنديّة، أم غير ذلك، ولمّا لم أجد بعد التقصّي كثيرا ممّا نصّوا عليه في القواميس، بدأ الشك يراودني بمدى دقة بعض المصادر، فقمت بغربلة هذه الكتب، واحتفظت بالمفيد منها واستبعدت ما شابه شكّ وخلاف، وحرصت كل الحرص على أن أطرح رأيي بالمفردة، وفي أصلها بصرف النظر عن مرجعيّة الأصل الذي جاءت منه المفردة من الأصول التي استعارت منها اللهجة الكويتية حسب الحاجة، وحرصت أيضًا أن أوثّق مصادري بنقل ما نصّ عليه فيها في المعاجم. فإن لم أجد لها أصلاً في المعاجم العربية أستشهد ببيت شعر أو بمثل أو بما يتيسر لي من الأهازيج الشعبية القديمة المعروفة وغيرها، لأضع بين يدي الباحث أو القارئ معلومة متكاملة موثقة يستطيع أن يستخدمها في أبحاثه
أخي القارئ،
ستجد بعض المواد المعجمية منقولة بالنّص من مظانّها اللغويّة، وذلك للأمانة العلميّة لا للتملص من المسؤولية أو المساءلة، حيث إنني وجدت بعض الباحثين قد نسبوا لهم ما وجدوه في كتب التراث دون أن يشيروا إلى أنّ المصدر كان منقولاً أو مقتبساً من كتاب باحث آخر. أما في بعض المواد المعجمية، فستجد أن لا أصل لها، وهذا لايعني أنني أجزم أن لا أصل لها، إنما لم أتوصل إلى أصل يخدم المعنى، غير أن البحث عن أصولها لرصدها في الطبعات القادمة لن يتوقّف بإذن الله.
إن اللهجة الكويتية لا تقف عند حدود 3104 مفردة كما ذكرت في هذه الموسوعة، بل هي أكثر مما نتوقع، فعلى سبيل المثال للسيارة اسم، ولكل جزء منها اسم أيضًا، وهذا ينطبق على الحاسوب وأنواع الأحياء المائية والأطعمة، ناهيك عن المصطلحات الحاسوبية بين مستخدمي برامج المحادثة ومواقعها الذين ابتكروا لغةً جديدةً تكفي لهذا المستخدم أن يسرد قصة حياته بطريقة مدروسة كأنها علمٌ من علوم اللغات، ولا أريد التبحر في هذا الموضوع درءاً للإطالة على الباحثين. ولهذا أذكر مقولة جرجي زيدان بأن «اللغة كائن حي يعيش ويموت ويولد ويغذى ويهاجر ويحبس»، فنحبس كلمات الشتم واللعن في مجتمعنا الكويتي المحافظ حتى تموت، ونغذي كلمات الحب والإخوّة والاحترام والتقدير، وتهاجر منا كلمات وتفد إلينا كلمات ومفردات، وخاصةً في بداية الستينيات عندما بدأت هجرة الإخوة العرب إلى الكويت ووفدت معهم الكثير من الكلمات وخاصة أسماء الأطعمة، وكلمات الترحيب كـ «مرحبا» و«مساء الخير» و«صباح الخير». وهذه كلمات وفدت إلينا في الستينيات من القرن الماضي، وقبلها كانت تستخدم كلمة «القوة» أي: «قوة» في وقتنا الحالي، بدلاً من «مرحبا» مثلاً، و«مَسَّاك الله بالخير» بدلاً من «مساء الخير» أو «صَبَّحك الله بالخير» بدلاً من «صباح الخير». ولا شك أنها كلمات عربية الأصل، ولكن يشعر الإنسان عندما يسمع من ابنه أو صديقه جملة «مَسَّاك الله بالخير» بوقار وتقدير ممزوج بعبق الأصالة ونفحة الماضي.
إن المكتبة الكويتية -كما أسلفت- تفتقر إلى موسوعات متخصصة في الألفاظ الكويتية العامة، وكم كنت أتمنى من أهل البحر بأن يُؤصلوا المفردات البحرية، وأن يتولى أهل البادية تأصيل مفرداتهم، والقبائل كذلك كلٌ على حدة، ولا ننسى إخوتنا ذوي الأصول الفارسية، فعليهم أن يدونوا كلماتهم وأصولها لأجيالهم القادمة. ولا يعدّ هذا تدخلاً مني، بل هو ما لمسته منهم خلال بحثي وزياراتي لهم لتوثيق الكلمات الفارسية في الموسوعة، بأن لهم عزماً لعمل مثل هذا المرجع، وإن ما يؤخرهم هو عدم وجود مراجع وكتب توثق رأيهم لكي يبدؤوا بوضع حجر الأساس. وأنا بدوري على أتم الاستعداد للمساعدة بكل ما هو متوفر لدي من مراجع وتقديم خبرتي المتواضعة المكتسبة من خلال عملي في تأليف الموسوعات.
يعتقد بعض الناس أن اللهجة الكويتية هي لهجة واحدة أو ربما اثنتان، وهما الحضرية والبدوية، وهذا الاعتقاد خاطئ، فثمّة فروق لمستها بين لهجة أهل جِبْلَة (قِبْلة) ولهجة أهل شَرْق، وأيضا بين لهجة أهل الفنطاس، وأهل الجهراء، ولهجة أهل جزيرة فيلكا، ولهجة أهل الدمنة، ولهجة البادية. أما بالنسبة إلى لهجة أهل الدمنة، فذكر الشيخ عبد العزيز الرشيد في كتابه تاريخ الكويت صفحة 29 «الدمنة تبعد خمسة أميال وتقع جنوبها على ساحل البحر بين الرأس والشِّعِب، وكانت في ابتداء تأسيس الكويت محلًا لصيادي السمك، ولم تزل هكذا حتى شرعت من وقت قريب طائفة من العوازم في بنائها، وقد بلغت بيوتها إلى هذا اليوم نحو أربعين بيتاً وفيها من النفوس نحو ثلاثمئة نفس. عمدة أهلها على الزراعة والاشتغال بصيد السمك».
وبما أن هناك حرفة واستقرارًا، هناك تبادل تجاري إذًا مع باقي مناطق الكويت، وتختلف هذه القبيلة أيضا عن باقي القبائل الذين اعتمدوا على الرعي وحياة البادية والترحال، لذلك وجدت صعوبة في تحديد موقع جغرافي لامتداد الألفاظ القبلية، واكتفيت بأن أذكر المفردات المشتركة، وأبتعد عن المفردات التي تميز هذه القبيلة لأسباب عديدة أذكر منها: لكل قبيلة بطن له لهجته الخاصة، ولكل بطن فخذ، وأيضا لكل قبيلة فرع خارج الكويت، والعتيبي الكويتي يختلف عن العتيبي في المملكة العربية السعودية أو العتيبي في المملكة الأردنية الهاشمية مثلاً، فهنا نجد صعوبة بالغة في تتبع مفرداتهم ورصدها. هناك أكثر من خمس لهجات في الكويت على وجه العموم تختلف فيما بينها اختلافًا بسيطًا، غير لهجة أهل الدمنة ولهجة البادية اللتين تختلفان اختلافًا ملحوظا، حيث يوصلنا هذا الاختلاف إلى البحث عن دور السكن أو المنشأ لهذا الفرد ! فمثلاً المكان المخصص للنوم يسمى عند أهل «قِبْلَة» (وتنطق «جِبْلَة») «سرير»، بينما يسمى «كِرْفَاية» عند أهل شرق و «كِرْفَاجَة» عند أهل الدمنة العوازم والفنطاس المعروفين بالقروية، أما أهل فيلكا فبعضهم يطلقون السرير المزدوج «بطيخة»، وبهذا الاختلاف البسيط يستطيع المواطن الكويتي أن يميز ويعرف مكان نشأة الفرد المتحدث. وهناك بعض الكلمات لا تختلف حرفياً ولكن يميزها نطقها، مثلاً أهل شرق يطلقون على السُكّر: شِكَر، وأهل جبلة يطلقون عليه: شَكِر، وكلمة الظِهِر لأهل فيلكا، بينما لأهل جبلة الظُهُر بالضمة المخففة. والفَيَّة عند أهل الدمنة بينما عند أهل جبلة فَيّ أو ذلال تلفظ (اذلال). ونختلف معهم في تسمية سفينة الصيد «الماشوة» بينما يطلق عليها أهل جِبْلَة «جالبوت»، ونتفق معهم على كلمة مير و نِزَرْ، هذا يدل على أن هناك تبادلاً في الكلمات بينهم، وأيضا للخبرات دور كبير حيث غاص العازمي وبنى مصائد الأسماك المعروفة «بالحظرة» ومنهم من تدرج إلى أن أصبح نوخذا.
أخي القارئ،
اللغة العربية لغة مضبوطة بمعياريّة عالية، واللهجة وليدة هذه اللغة، وثابت بما لا يدع مجالا للشكّ في أن اللغة العربية لا تبدأ بساكن، غير أني في هذه الموسوعة اضطررتُ لأغراض المَعْجمة أن أثبت ابتداء النطق بساكن ليتوافق الرسم الإملائي مع الأداء الصوتي الصحيح للمفردة، فمثلًا كلمة (بْساع) وضعت على الباء سكوناً، وهذا لا يجوز في اللغة العربية -كما أسلفت- لذا أضفت همزة الوصل (ا) لتصبح (ابْساع) ليكون النطق بها سليمًا. فاللهجة العامية لا تخضع لقوانين الفصحى وثوابتها، إنما أعراف تعارفنا عليها وتوارثناها من الآباء والأجداد والحياة الاجتماعية، ولا نخرج عنها، وإن خرجنا عنها فنسمي هذا الخروج باسم «بَدْلِيَّة» وهي إبدال الأحرف أو الأصوات، مثلاً تقول: حبول والقصد فيه بيض السمك عند أهل شرق، وفي لهجة أهل جِبْلَة يقال: بلوح، وهذا المثال فيه إبدال الأحرف. وهذا وارد في اللغة العربية، أذكر منها كلمة غمجة وجغمة، أما الإبدال الصوتي فتقول: اِمْخاد، ويقصد بها مَخَاد مفردها مخدة، وهذا الإبدال وارد عند بعض الناس وليس خطأ، ولا يعيب هذا الشخص عندما يتلفظ به.
منهجية الموسوعة المُيَسَّرة:
إن صناعة المعجمات والموسوعات فن لا يتقنه إلا من بحث وتعمق في أمّهات المعجمات والقواميس، واكتسب خبرة تكفيه أن يجمع موادّ معجمية، ويرصدها حسب ما يراه بصورة علمية دقيقة أكاديمية. وتختلف المعجمات في منهجيّة بنائها، فثمّة معاجم مبنيّة على وفق نظريّة التقاليب للحرف الأعمق مخرجا كما في معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، وثمّة معاجم مبنية على وفق نظام القافية، أي باب الحرف الأخير، فصل الحرف الأول، كما في القاموس المحيط والصحاح ولسان العرب، وثمّة معاجم مبنيّة على وفق النظام الألفبائي، وغير ذلك، وهذا من الأمور التي قد تصعب على القارئ المبتدىء في التعامل مع المعجم، لذا فقد ارتأيت في هذه الموسوعة اعتماد منهجيّة الوصول إلى المادة اللغويّة عبر جذر الكلمة، ولكن اصطدمت في مَعْجَمة المواد اللغوية بمفردات دخيلة ومعرّبة أي لا أصـــل عربيّـــا لها، فمثــلاً كلمة «تـاوة» اوردو الأصــــل فما هو جذرها؟ هل هو: «ت أ و» أم «ت و و » . فوجدت نفسي في مفترق الطرق، فإما أن أخالف الأعراف والمنهجيات التي قامت عليها المعاجم، وإما أن أبتكر منهجية جديدة وأستمر عليها حتى في طبعات أخرى لتصبح منهجية خاصة في مؤلفاتي، وإما أن أعيد بناء الموسوعة، وهذا يحتاج إلى جهد عسير ووقت كبير قد يصل إلى سنوات، وليست الخشية من هذا، إنما الخشية أن يضيع الكثير منما يتداوله الكويتيون وهذه مسؤولية ملقاة على عاتقي، فابتكرت هذه الطريقة التي وافقني هذا الرأي فيها فريق العمل.
رصد المواد المعجمية ومنهجيتها:
لقد رصدت المواد المعجمية كما وردت إلي بصرف النظر عن تصريفها، وزمانها، وهنا قد يجد الباحث صعوبة في البحث عن المفردة. فمفردة مثل «يتربع»، إذا سمعها الشخص «متربع» أو «تربع»، فأين يبحث؟ لهذا السبب استعملت منهجية لا تختلف عن المعاجم المعروفة بإعادة المادة المعجمية إلى الجذر، فوفرت للباحث في باب فهرس الموسوعة جميع المواد المعجمية المذكورة في الموسوعة مع إرجاعها إلى جذرها، مثلًا كلمة «يتربع» سيجدها تحت «ر ب ع» التي يكون من مشتقاتها الربيع، المربعانية، والربع وغيرها، وأمام كل كلمة رقم الصفحة التي ذكرت فيها، بما فيها الكلمات الأجنبية، وكتبت المادة المعجمية ذات الأصل الإنكليزي بأحرف عربية، فمثلًا «تريك» كتبتها حسب اللفظ الكويتي الصحيح وجردتها من الأحرف التي لا تغير النطق، فصار الجذر «ت ر ك». فإذا أراد الباحث أن يعرف معنى «تريك» ذهب إلى جذر «ت ر ك» وسيجد باقي المواد المعجمية ذات الجذر نفسه . وقد أوصى بهذه الطريقة المرحوم بإذن الله الدكتور خالد عبدالكريم جمعة، والدكتور حشان العجمي، والدكتور محمد بن ناصر، والدكتور شملان القناعي فلهم جزيل الشكر على تطوعهم بالمشاركة، وأعدّ ذلك إضافة علمية كبيرة للموسوعة.
في هذه الموسوعة:
لقد رصدتُ في هذه الموسوعة 3104 مادة معجمية منفردة، وجاءت بعض المواد في سياق شرح المفردات المشتقة من الجذر الأصلي، فيكون لدينا ما لا يقل عن 500 كلمة مشروحة شرحاّ وافيا ليصبح عدد المفردات اكثر من 3604 مفردة، وهو ما جعل الموسوعة تتميّز بحصر هذا العدد الكبير من المفردات، لتصبح من ضمن أكبر المعاجم الموسوعية المتخصصة في اللهجات العربية. وإن وجدت بعض المعاجم التي تفوق هذه الموسوعة بعدد المواد المعجمية، فإنها لم تستشهد بصور توضيحية أو أبيات شعر أو غيرها كما فعلنا.
إن الجهد المبذول في هذه الموسوعة أساسا مجهود فردي؛ حيث قمت بالرصد والبحث عن أصول الكلمات. لكن في لقاء تلفزيوني ناشدت أهل الكويت أن يساهموا معي في جمع المفردات، فانهالت عليَّ الاتصالات والرسائل فأضفت إلى الموسوعة مفردات زادت على 500 مفردة، فأيقنت أني لولا مساعدتهم بعد الله -جلّ وعلا- لن أقدم أفضل مما قدمته في كتابي السابق «موسوعة اللهجة الكويتية» فلكم جميعا أبناء الكويت جزيل الشكر والامتنان.
وبما أن الكمال لله وحده، والجهد فردي كما أسلفت، فحسبي قولة العماد الأصفهاني: إِنَّى رأيتُ أنه لا يَكْتُبُ إنسانٌ كتابا في يومِهِ إلا قال في غَدِهِ، ولو غُيِّر هذا لكان أحسَنَ، ولو زِيد كذا لكان يُسْتَحسَن، ولو قُدم هذا لكان أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاءِ النقص على جُمْلة البَشَر.
الفارق بين الموسوعتين:
إن الفرق بين الموسوعة المُيَسَّرة لألفاظ الحياة الاجتماعية وموسوعة اللهجة الكويتية كبير من حيث المحتوى، ومن حيث الشرح والصور والأصول. وفي ضوء هذا، وبعد حوار مع الدكتورة سهى فتحي نعجة الأستاذة المشاركة في النحو والصرف والمعجميّات في الجامعة الأردنية التي كتبت بحثا علميّا محكّما بعنوان «موسوعة اللهجة الكويتيّة في ضوء الصناعة المعجميّة» وقُبل للنشر في مجلة العلوم الإنسانيّة في جامعة البحرين، جاء فيه، صدرت فكرة تأليف الموسوعة عن هدفين متعالقين، أولهما: علميّ ظاهر صريح؛ يروم رفد المكتبة العربيّة بعامّة، والكويتيّة بخاصّة بموسوعة تمعجمُ اللهجة الكويتيّة دالا ومدلولا في ضوء افتقارها إلى هذا النّوع من التأليف، وثانيهما: تسجيليّ توثيقيّ مستتر؛ يهدف إلى حفظ هويّة المجتمع الكويتيّ، ومحاولة رسم حدوده اللهجيّة المحليّة والعربيّة؛ عبر رصد وحداته المعجميّة، ومَعْجَمَتِها، والنّص على خصوصيتها الصّوتيّة، والترّكيبيّة، والدّلاليّة والسّياقيّة، وتأصيلها في ضوء التّنوعات اللغويّة، والتغيّرات الحضاريّة، والاجتماعيّة، والعلميّة التّقنيّة التي أخذت تشهدها الكويت في بداية الستّينات في القرن الماضي عقب ثورة النّفط التي شجّعت العمالة في أراضيها؛ فاستقطبت قوًى بشريّة من بيئات لغويّة مجاورة وعربيّة، وأجنبيّة غير متجانسة شرعت تؤثّر في اللسان الكويتيّ؛ فتنْشط دوالّ، وتخمل، وتُستَحْدَث، وتَنْحرف عمّا تواضع عليه المجتمع صوتًا، ودلالة. وقد التزم المؤلف منهجيّة توثيقيّة وصفيّة تحليليّة؛ مؤسّسة على السّماع، وتوثيق المادّة المعجميّة والمعرفيّة من مظانّها في كتب التّراث واللهجات، وتأصيل الوحدات المعجميّة اللهجيّة، وتوثيق أواصر القربى بينها وبين الوحدات المعجميّة الفصيحة بوصف اللهجة فرع الفصحى، وأنّ المسافة بينهما مسافة صَوْتيّة تتباين بين تفخيم وترقيق، وقلب وإبدال، واختلاس حركة أو مطها ونحت وحدة معجميّة من وحدتين فأكثر طلبًا للخفّة، واقتصادًا في الجهد.
إن هذه الموسوعة وفيّة لهُويّة الكويت اللغويّة والتّـأريخيّة والتّراثيّة الشّعبيّة، تتناغم ومواضعات الفن، وتقنينات العلم في ضوء الصّناعة المعجميّة الحديثة. وفي ضوء حوارات مع الدكتور حشان العجمي من جامعة الكويت رأيت أن العنوان الجديد للموسوعة «الموسوعة الميسّرة لألفاظ الحياة الاجتماعية في البيئة الكويتية» أكثر تناغما ومحتوى الموسوعة حيث تم زيادة ما لا يقل عن 800 مادة معجمية منفردة شملت العادات والتقاليد وحاكت التاريخ والسياسة والاقتصاد.
وبعد، فالشكر والامتنان لكل من ساهم في بناء منهجيّة هذه الرسالة، بإضافة أو بنقد أو بتعديل، مشافهة أو كتابة، والعذر ثم العذر على التقصير أو الخطأ، فما العصمة إلا لكتاب الله وحده. وكما قال ابن رجب الحنبلي: «ويَأْبى اللَّهُ العصمةَ لكتابٍ غيرَ كتابِه، والمنصفُ من اغتفر قليلَ خطأ المرءِ في كثيرٍ من صوابه».
والله ولي التوفيق،
خالد عبد القادر عبدالعزيز الرشيد
2014 مايو